تحتكر إسرائيل منذ عام 1967 صناعة وتجارة "الأسمنت"؛ حيث لم تسمح بالمطلق للفلسطينيين ببناء مصنع واحد للأسمنت، وبالتالي أصبحت المصدر الأول والأساس لهذا المنتج.
وتتحكم الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في عمليات استيراد الأسمنت، وتمتلك شركة "نيشر" الإسرائيلية حصة الأسد من الواردات الفلسطينية، ولم تستطع الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية (التابعة لصندوق الاستثمار الفلسطيني) كسر سيطرة نيشر التي بقيت تتحكم في السوق الفلسطينية.
وبحسب تقرير أصدره المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار "بكدار"، وحصل "الأسواق.نت" على نسخة منه فإنه لا يوجد حاليا استيراد للأسمنت من أي طرف سوى من الجانب الإسرائيلي؛ نظرا لانخفاض سعره مقارنة مع الشركات العربية الأخرى، وكذلك قرب المسافة وعدم تحمل تكاليف نقل عالية تؤثر على السعر.
ويشير الخبير الاقتصادي شاكر خليل معد التقرير إلى أن حجم الطلب الكبير والمتزايد من الأسمنت والذي يقدر بـ 1.785 مليون طن يشجع لإقامة مصنع للأسمنت في الأراضي الفلسطينية، ويقللّ من الاعتماد على الأسمنت الإسرائيلي المحتكر لتلك السلعة.
تجارب سابقة
جدير ذكره أنه جرت محاولات عدة لإقامة مصانع أسمنت في الأراضي الفلسطينية، فقبل عام 1948 أقيمت شركة فلسطينية لصناعة الأسمنت في مدينة نابلس ولم يكتب لها النجاح بسبب تعقيدات إدارية من قبل الانتداب البريطاني وتم حل الشركة فيما بعد، وفي عام 1978 تأسست شركة الأسمنت العربية في مدينة الخليل إلا أن سلطات الاحتلال رفضت منح التراخيص اللازمة لإقامة المصنع.
بعد ذلك في عام 1996 تأسست شركة الأسمنت الفلسطينية المساهمة العامة المحدودة في مدينة نابلس برأسمال قدره 6 ملايين دينار أردني (الدولار = 0.71 دينار)، وهدفت إلى بناء مصنع لطحن "الكلينكر" و"تكييس" الأسمنت السائب وعزمت إلى بناء مصنع الأسمنت، وأدرجت في سوق فلسطين للأوراق المالية في عام 1997، لكنها لم تستطع الوصول إلى أهدافها لأسباب عديدة، منها عدم قدرة المؤسسين لاجتذاب المساهمين للشركة، وإصدار الأسهم الوهمية من قبل بعض أعضاء مجلس إدارة الشركات، وعدم التزام المؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة بدفع المستحقات المالية المترتبة عليهم.
المحاولات مستمرة
وكان رجال أعمال فلسطينيون قد كشفوا في صيف 2005 عن مفاوضات مع شركتي "لافاراج" الفرنسية و"هولدربانك" السويسرية، رائدتي صناعة الأسمنت في العالم، للمشاركة في إنشاء مصنع للأسمنت في الأراضي الفلسطينية برأسمال يزيد على 200 مليون دولار، غير أن المشروع لم يرَ النور.
وكان من المقرر ونظرا لضخامة المشروع، وتكلفته العالية، أن يتم إنشاؤه على مرحلتين، ستقتصر الأولى على ماكنات لطحن الصخور التي تستخدم في صناعة الأسمنت "الكلينيكر"، وتعبئتها وتسويقها بكلفة حوالي 30 مليون دولار، أما المرحلة الثانية، وفيها تستكمل عملية بناء المصنع بالكامل، لتكون عملية الإنتاج فلسطينية 100%، بدءا من قطع الصخور، وشيّها في الأفران وطحنها، والانتهاء بتعبئتها وتسويقها.
وبحسب القائمين على المشروع آنذاك "فهذه المرحلة تحتاج إلى وقت طويل، ففيها سيقام المصنع بكامل معداته وأفرانه، وستشمل أيضا عملية شراء الأراضي التي تحتوي على الصخور الصالحة لإنتاج مادة الأسمنت، وهذا كله بعد تحديث دراسة الجدوى، التي أعدت قبل أكثر من 15 عاما.
وأثبتت الدراسات المخبرية وجود الصخور الصالحة لإنتاج الأسمنت في ثلاث مناطق في الضفة الغربية، الأولى قرب بلدة يطا قضاء مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وفيها مخزون يكفي لـ40 - 50 عاما، وشرق مدينة رام الله، وجنوب مدينة جنين.
مبادرة مهمة
يذكر أن إحدى المبادرات الهامة التي أعلن عنها في مؤتمر فلسطين للاستثمار، الذي اختتمت فعالياته نهاية الشهر الماضي في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، الإعلان عن شركة "وطن" القابضة، وهي تتويج لاتصالات بين مستثمرين فلسطينيين وأردنيين وعرب استمرت حوالي عامين، ويتوقع أن تبدأ نشاطها برزمة من المشاريع باستثمارات تزيد عن 500 مليون دولار، أبرزها إنشاء أول مصنع للأسمنت في الأراضي الفلسطينية، والمرجح أن يقام بالقرب من مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
المعوقات.. إسرائيل أولا
ومن أهم المعوقات التي حالت وما زالت تحول دون إقامة مشروع صناعة الأسمنت في الأراضي الفلسطينية، عدم منح إسرائيل التراخيص اللازمة لإنشائه؛ حيث يبدو جليا أنها سعت دوما لمنع إقامته حفاظا على مصالح مصنع الأسمنت الإسرائيلي "نيشر"، الذي يورد الجزء الأكبر من احتياجات الضفة الغربية وقطاع غزة من هذه المادة، الأمر الذي يكرس تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي.
ومن المعيقات أيضا، أن المصنع سيكون داخل منطقة (C) -حسب اتفاقية أوسلو- والتي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة أمنيا وإداريا، إضافة إلى ارتفاع تكلفة التمويل للمشروع والمعوقات البيئية؛ حيث إنه يمكن أن يؤثر على المناطق المجاورة، مما سيخلق نوعا من عدم رغبة السكان لمثل هذا المشروع، مما سيضعف الثقة به بسبب التجارب السابقة التي لم تكن موفقة في ذلك.
وينوه خليل في حديثه لـ"الأسواق. نت" إلى نقطة مهمة في تطور تجارة الأسمنت، وهي غياب إنتاج محلي منه؛ حيث تعتمد السلطة على الاستيراد لتلبية الطلب على الأسمنت في الضفة الغربية وقطاع غزة من إسرائيل، والأردن ومصر.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغت قيمة واردات الضفة الغربية وقطاع غزة من الأسمنت ما يقارب من 69.4 مليون دولار لعام 2005 جميعها من إسرائيل، ومن شركة "نيشر" تحديدا.
الأسعار.. تذبذب ثم صعود قياسي
وعن أبرز التحولات الحاصلة في الأسعار، لفت تقرير "بكدار" النظر إلى أن الأسعار امتازت بالتذبذب تارة بين ارتفاع وأخرى بين انخفاض، فقد ارتفعت من عام 1996 لنهاية عام 1997 وبعد ذلك انخفضت من عام 1998 لنهاية عام 1999، وتكررت العملية بين ارتفاع وانخفاض حتى عام 2003، وبعد ذلك أخذت بالارتفاع حتى الآن.
فقد قفز سعر طن الأسمنت في الأراضي الفلسطينية بشكل ملفت في الربع الأول من عام 2008 لتصل نسبة الارتفاع الى ما يقارب 20%، فبلغ سعر الجملة لطن الأسمنت الأسود "ماركة النسر" إلى 954.52 شيكلا، (الدولار = 3.3 شيكل)، وقد بلغ متوسط سعر الجملة للطن الواحد من هذه النوعية نحو 283.29 شيكل لعام 2007 بنسبة ارتفاع بلغت ما يقارب 10.7% عن عام 2000.
أما عن سعر الجملة لطن الأسمنت الأبيض "ماركة النسر"، فقد قفز أيضا في الربع الأول من عام 2008 ليصل الى 900 شيكل بنسبة ارتفاع عن عام 2007 بلغت 10.4%، كما وصل سعر الجملة للطن الواحد لهذه النوعية لعام 2007 إلى 518.24 شيكل، بنسبة ارتفاع عن عام 2000 بلغت 0.34%.