موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من الأزمة الراهنة في قطاع غزة
والسلطة الوطنية الفلسطينية
18/6/2007
شهد قطاع غزة في الأيام الأخيرة أحداثاً دامية وأعمال عنف واقتتال داخلي غير مسبوقة بين حركتي حماس وفتح، بلغت ذروتها بقرار الحسم العسكري لحركة حماس واستيلاء ذراعها العسكري كتائب عز الدين القسام على كافة مقرات ومواقع أجهزة الأمن الفلسطينية، وإحكامها السيطرة الكاملة على قطاع غزة بتاريخ 14/6/2007. وقد أسفرت هذه الأحداث عن مقتل 146 شخصاً، 36 منهم من المدنيين، بينهم 5 أطفال و8 نساء وإصابة نحو 700 آخرين بجراح خلال أسبوع.
ووفقاً لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وملاحظاته حتى الآن، فقد رافق النزاع المسلح الأخير بين الحركتين انتهاكات جسيمة لأحكام القانون الدولي المتعلقة بالنزاعات المسلحة الداخلية، خاصة المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949. وكحد أدنى تلزم هذه المادة الأطراف المتنازعة بالمعاملة الإنسانية لكافة الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا سلاحهم. ولذلك تحظر هذه المادة على نحو خاص الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب وأخذ الرهائن والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة. كما تحظر المادة ذاتها إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة قانونية. وتنص المادة الثالثة أيضاً على العناية بالجرحى والمرضى.
وخلافاً لهذه المعايير الدولية، رافق الأحداث الدامية العديد من أعمال القتل العمد والإعدام خارج إطار القانون وإطلاق النار على مقاتلين بعد أسرهم. وتحدث شهود عيان عن قتل مصابين داخل المستشفيات، وأعمال خطف وتعذيب وتنكيل بأشخاص ينتمون أو يشتبه بانتمائهم لأحد طرفي النزاع. ووقع المدنيون العزل ضحية للأعمال القتالية بين الطرفين، على الرغم من التزامهم منازلهم في معظم الأحيان. ولم تراع حرمة الأماكن المدنية، بما فيها المنازل والأبراج السكنية التي تم استخدامها من طرفي النزاع في العمليات القتالية، مما زاد من معاناة المدنيين ووضعهم في قلب العمليات القتالية عنوة، وتسبب في سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم، بينهم نساء وأطفال. كما أعيق عمل فرق الإسعاف والدفاع المدني التي تعذر وصولها إلى المصابين والأماكن التي اندلعت فيها المواجهات، لإخلاء القتلى والمصابين أو لإخماد الحرائق وتقديم العون للمدنيين العزل. (أنظر في هذا الشأن البيانات المتلاحقة التي أصدرها المركز خلال وبعد الأحداث)
وأمام استيلاء حركة حماس على المقرات الأمنية وسيطرتها على قطاع غزة، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ثلاثة مراسيم رئاسية مساء يوم الخميس الموافق 14/6، تقضي بإقالة رئيس الوزراء إسماعيل هنية والإعلان عن حالة الطوارئ في جميع أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية وتشكيل حكومة مكلفة بإنفاذ حالة الطوارئ. وبتاريخ 17/6، أصدر الرئيس مرسومين آخرين، أولهما يقضي بتعليق العمل بالمواد (65، 66، و67) من القانون الأساسي (الدستور المؤقت للسلطة الفلسطينية. أما المرسوم الثاني فيقضي باعتبار القوة التنفيذية (التي شكلتها وزارة الداخلية عام 2006)، وميليشيات حركة حماس "خارجة عن القانون بسبب قيامها بالعصيان المسلح على الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها..."
وردت إسرائيل بإغلاق كافة المعابر الحدودية مع قطاع غزة، وبالتالي وقف كافة المعاملات التجارية للقطاع ومنع كافة عمليات الاستيراد والتصدير. وأدى ذلك إلى حالة من الإرباك والخوف الشديدين في صفوف المدنيين الذين تهافتوا على المحال التجارية والمخابز ومحطات الوقود للتزود بالمؤن والمواد الأساسية، في ظل تكهنات بحدوث أزمة إنسانية في قطاع غزة. كما تم إغلاق معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية بشكل تام، وهو النافذة الوحيدة بين قطاع غزة والعالم الخارجي، والذي كان يعمل بطاقة جزئية محدودة منذ نحو عام، بسبب الإجراءات الإسرائيلية أيضاً.
وبالتوازي مع أحداث غزة، نفذ أنصار حركة فتح في الضفة الغربية سلسلة من الأعمال الثأرية ضد أنصار وأعضاء حركة حماس والمؤسسات التابعة لها. وقد طالت الاعتداءات مؤسسات صحية وثقافية وجمعيات خيرية ومكاتب إعلامية ومقرات إذاعة وتلفزة محلية وأندية رياضية ومقرات مجالس محلية سبق وأن فازت قوائم حركة حماس في انتخاباتها. وقد وثق المركز اقتحام وحرق ونهب محتويات أكثر من 50 مؤسسة عامة وخاصة على هذه الخلفية، فيما قتل ثلاثة أشخاص، أحدهم طفل، في مدينة نابلس، فضلاً عن اختطاف أكثر من 60 مواطناً وذلك خلال الفترة منذ يوم الأربعاء الماضي الموافق 13 يونيو وحتى يوم أمس الأحد الموافق 17 يونيو.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة عامة وقطاع غزة على نحو خاص فإنه يؤكد على ما يلي:
1) إدانة الاحتكام للسلاح في حسم الصراع القائم بين حركتي حماس وفتح، وعلى نحو خاص إدانة قرار الحسم العسكري والاستيلاء على مقرات ومواقع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة من قبل كتائب عز الدين القسام. ورغم وعينا بشرعية الحكومة وضرورة أن تمارس صلاحياتها الدستورية كاملة، ومع إدراكنا لحجم المشاكل الأمنية التي سبقت الأحداث والحاجة الماسة والضرورية لإصلاح المؤسسة الأمنية، إلا أن ذلك لا يبرر بأي حال توظيف كتائب عز الدين القسام في الحسم العسكري والاستيلاء على المؤسسة الأمنية، كما أن ذلك لا يخدم المطالب بإصلاح الأجهزة الأمنية.
2) أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس محمود عباس رداً على ذلك تتعارض مع أحكام القانون الأساسي وتشكل مساساً خطيراً به ولا يقل خطورة عما يحدث في غزة، خاصة أنه:
يحق للرئيس فرض حالة الطوارئ، بموجب أحكام الباب السابع من القانون الأساسي، كما أنه يملك أيضاً صلاحية حل الحكومة، ولكن يحدد القانون الأساسي بأن تبقى الحكومة المقالة كحكومة تسيير أعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة التي يجب أن تنال الثقة من المجلس التشريعي.
لم يرد في القانون الأساسي أية صلاحية للرئيس، حتى في حالة الطوارئ، بتعليق العمل بمواد هذا القانون، فيما يخص صلاحية المجلس التشريعي في منح الثقة للحكومة، بل لا يجوز حل المجلس التشريعي أو تعطيله خلال فترة الطوارئ (المادة 113). إن هذا القانون يسمو على كل القوانين وتستمد منه كافة الصلاحيات بما فيها صلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء، ولا يجوز أن يتم المساس به أو تعطيله في كل الظروف والأحوال.
3) أن من شأن الإجراءات التي اتخذها الرئيس أن تزيد من تفاقم الأزمة لا أن تسهم في حلها، بل إنها ستزيد أيضاً من العزلة التي يتعرض لها قطاع غزة والتضحية بنحو 1.5 مليون مدني فلسطيني والزج بهم إلى مستقبل مجهول وتعريضهم للعقوبات الدولية، فضلاً عن المخاوف بتكريس واقع سياسي يتم فيه فصل القطاع عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
4) أن الأزمة الراهنة التي تعيشها السلطة الوطنية الفلسطينية هي أزمة سياسية وليست دستورية أو قانونية، وأنه لا بديل عن العودة للحوار السياسي بين حركتي حماس وفتح وكافة القوى السياسية الفلسطينية، حوار يستند إلى الشراكة السياسية الحقيقية واحترام نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006، وتغليب مصالح الشعب الفلسطيني على المصالح الفئوية الضيقة للأطراف المتنازعة.
5) في إطار هذا الحوار المنشود، من الأهمية بمكان التشديد على ضرورة أعادة بناء المؤسسة الأمنية الفلسطينية على أسس مهنية ووطنية، مع التأكيد على استقلالها والنأي بها عن الصراعات الفئوية المقيتة، حتى تمارس مهامها الدستورية في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية المجتمع والسهر على حفظ الأمن والنظام العام.
6) أن المستفيد الوحيد من استمرار هذه الأزمة هو إسرائيل وقوات احتلالها الماضية قدما في كل الظروف والأحوال في خلق وقائع جديدة على الأرض، خاصة في الضفة الغربية، من خلال جدار الضم والاستيطان من أجل قتل أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967.
7) أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة المتدهورة أصلاً بفعل الحصار الإسرائيلي وبفعل وقف المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية، سوف تشهد المزيد من التدهور، خاصة مع الإغلاق التام للمعابر الحدودية للقطاع ووقف كافة المعاملات الاقتصادية.
إن ما تشهده الساحة الفلسطينية هو نكبة جديدة في طور التكوين ما لم يتم تداركها على وجه السرعة، في ظل التكهنات بمزيد من الخنق الاقتصادي والاجتماعي والمخاوف من الهجرة الجماعية في قطاع غزة. وبالتالي فإن كافة القوى السياسية وقوى المجتمع المدني تتحمل المسؤولية التاريخية للخروج من هذه الأزمة ومنع هذه النكبة الجديدة من صنع أيدينا هذه المرة والتي تتزامن مع مرور نحو 60 عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده في العام 1948.
9) إن المجتمع الدولي والدول العربية مطالبة باتخاذ إجراء فورية لمنع وقوع الكارثة وذلك من خلال الضغط باتجاه ورعاية حوار سياسي بين حركتي حماس وفتح وكافة القوى السياسية الفلسطينية للخروج من هذه الأزمة التي تعصف بالسلطة الوطنية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني بأسره