أنتجت الارتفاعاتُ المتوالية في أسعار الإيجارات صورًا "قاتمةً" لكثيرٍ من المقيمين في الإمارات؛ حيث يضطر عددٌ منهم لإعادة أسرته إلى وطنه، مكتفيًا بالإقامة مع مجموعةٍ داخل غرفة واحدة لا تزيد مساحتها عن 12 مترًا، يصل عدد القاطنين فيها إلى 6 أشخاص.
ونقل الصحفي بسام عبد السميع في تقريرٍ له نشرته جريدة "الاتحاد" الإماراتية اليوم الثلاثاء 6-5-2008 عن عددٍ من ساكني تلك الغرف إن ارتفاع الإيجارات التي حدثت في الآونة الأخيرة لم تُسعفهم في تأمين مسكن لهم ولذويهم، لاسيما أنها ترافقت مع الزيادة في أسعار المواد الغذائية والتكاليف المعيشية الأخرى.
وارتفعت أسعارُ إيجارات المساكن في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 17%، فيما شهدت العام الماضي ارتفاعًا بنسبة 11.6%، بحسب دائرة التخطيط والاقتصاد.
حجة "الإخلاء"
ويقول الموظف في القطاع الخاص أحمد خليل العمري: إن العديد من الأسر الوافدة أصبحت تعاني من ظاهرة رغبة الملاك في رفع الإيجار لأكثر من 5% سنويًا، حيث يقوم ملاك بإخطار السكان بضرورة إجراء صيانةٍ عامةٍ للعقار؛ بهدف إخلاء البناية من ساكنيها، وإعادة تأجيرها بالأسعار الحالية، والتي تصل إلى ثلاثة أضعاف السعر السابق.
ويؤكد العمري أن نحو 30 أسرة هم سكان البناية المقيم بها سيغادرون أبو ظبي في يوليو المقبل عائدين إلى أوطانهم بشكلٍ دائم، بسبب قرار الصيانة العامة للعقار.
ورغم أن السكان تم إخطارهم بالقرار منذ عام، إلا أن الحصول على شقةٍ بأسعار تناسب دخولهم لم يتوفر لهم حتى الآن.
وكانت لجنةُ فض المنازعات قد أصدرت العام الماضي قرارًا بإخلاء العقار -الذي يضم 30 أسرة- في شهر يوليو/ تموز من العام الجاري.
وطالب العمري الجهات المسؤولة بالنظر إلى أوضاع تلك الأسر، والمخاطر الناجمة عن طردهم من العقار، لافتًا إلى أن الإيجار الحالي للشقة المكونة من غرفتين وصالة يتراوح بين 40 و50 ألف درهم سنويًا (الدولار= 3.67 دراهم)، وهو ما يستحيل تواجده في مكانٍ آخر حاليًا.
ويشير عبد الله حسين ويعمل مهندسًا في إحدى شركات القطاع الخاص إلى أن ارتفاع الإيجارات دفع به إلى إرسال أسرته إلى مصر، والسكن مع آخرين بنظام "المشاركة"، موضحًا أن حياته على مدار 10 سنوات كانت مليئة بالاستقرار، إلا أن الزيادة المستمرة في الإيجارات، أدت إلى تركه مسكنه القديم والبحث عن سكن مع آخرين.
عملية شاقة
وقال حسين إن البحث عن سكنٍ جديد عمليةٌ شاقة وغير مثمرة في معظم الأحوال؛ لندرة المعروض وارتفاع الطلب على العقار، لافتًا إلى أنه يعيش مع أبنائه الثلاثة وزوجته في شقةٍ مكونة من غرفتين وصالة بـ45 ألف درهم، منذ سنوات، وأصبح الآن مطالبًا بتوفير ما لا يقل عن 120 ألف درهم، لسكنٍ مماثل أو أقل من المسكن السابق، متسائلاً كيف يستطيع الاستمرار مع أسرته في ظل هذه الأزمة التي تطال الكثيرين.
وكانت غرفة تجارة وصناعة أبو ظبي أصدرت مؤخرًا تقريرًا يقدر حاجة سوق العقارات في أبو ظبي بحوالي 20 ألف وحدة سكنية حاليًا.
وبلغت نسبة الإنفاق على السكن نحو 45% من إجمالي إنفاق المستهلك في إمارة أبو ظبي، بحسب نتائج المسح الميداني الذي أجرته دائرة التخطيط والاقتصاد في الإمارة، كما بلغت نسبة إنفاق الأسر التي يقل دخلها عن 5 آلاف درهم على الإيجارات نحو 49.74%.
وأضاف إبراهيم سعود ويعمل موظفًا: إن راتبه لا يفي بإيجار "استديو"، حيث يحصل على 7 آلاف درهم شهريًا، مما جعله يغادر سكنه السابق والذي كان يدفع فيه 3 آلاف درهم شهريًا.
وأشار مرسي محمود الذي يعمل موظفًا إلى أن ارتفاع الإيجارات دفعه لإنهاء إجراءات عمله والتقدم باستقالته للعودة إلى بلده، لافتًا إلى أن الحياة في أبو ظبي، تتطلب راتبًا لا يقل عن 20 ألف درهم شهريًا كحدٍّ أدني للإقامة الأسرية.
بينما ارتأى حمدي البسطويسي أن الغلاء أزمة عالمية، لكن ارتفاع الإيجارات أزمة خليجية، منوهًا إلى أن معظم المقيمين أصبح طموحهم مجرد الاستمرار في أبو ظبي لتواجد حياة أفضل من أوطانهم دون ادخارٍ أو تحقيق عائد مادي.