2008-06-05
كتب المهندس وصفي قبها وزير الأسرى - صادف قبل وقت غير بعيد الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، وقد استيقظت مبكراً وجلست على البُرش (سرير النوم في السجن) وأخذت أستذكر المرأة الفلسطينية بعطاءاتها وتضحياتها الكبيرة، استذكر ملاحمها البطولية ومشاركتها الرجل في مقاومة الاحتلال، أستذكر دورها الذي تقوم به في كافة وتفاصيل الحياة الفلسطينية حيث سجلت وجسدت نموذجاً وقدوة لكل نساء العالم.
يأتي هذا اليوم وشعبنا الفلسطيني يتعرض للمجزرة تلو المجزرة بل ويتعرض لمحرقة جديدة أكبر تُسعر نيرانها وتضطرم ويزداد أوارها بأجساد المرأة الفلسطينية وأطفالها حيث يجعل الاحتلال من هذه الأجساد وقوداً لمحرقته التي ملأت روائح لحوم النساء والأطفال المنبعثة منها كل أرجاء المعمورة دون أن ينتفض أحد أو يُحرك ساكناً انتصاراً للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان والطفل التي حرقتها قذائف الاحتلال بأحدث مبتكرات تكنولوجيا الحرب، وما بعض التحركات التي شوهدت والأصوات التي سُمعت عبر الفضائيات قد جاءت خجولة ولم ترتق إلى مستوى الجريمة التي اقترفها الاحتلال.
استذكر المرأة الفلسطينية التي لطالما عاشت مذابح رهيبة، استذكر عظمة هذه المرأة التي منها الشهيدة والأسيرة، والجريحة، نرى منها الأم المربية، الموظفة والعاملة، نرى الوزيرة وعضو المجلس التشريعي.. أستذكر ومن خلال شريط عطاءات وتضحيات هذه المرأة خنساء فلسطين المجاهدة الأخت مريم فرحات (أم نضال) والدة ثلاثة شهداء وعضو المجلس التشريعي، أستذكر أم شادي براش والدة شهيدين وثلاثة أسرى، أستذكر أم إبراهيم (زوجة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي المجاهد الأسير الشيخ بسام السعدي) والدة شهيدين وشقيقة شهيد أستذكر والدة الحاج خضر ضبايا، أمينة ضبايا والدة شهيدين وأسيرين، أستذكر أم ناصر حميد والدة شهيدين وثلاثة أسرى.. أستذكر الأسيرة المبعدة أحلام سليمان جوهر من بلدة حوارة الناشطة في حقوق الإسنان والتي اعتقلت بتاريخ 23/1/2008 وبعد أن خضعت للتحقيق أبعدت يوم الخميس 6/3/2008 إلى الأردن بالرغم من أهلها يعيشون في حوارة – نابلس، أستذكر الأسيرات خلف القضبان أمثال المجاهدة الكبيرة أحلام التميمي التي ارتقت منازل العظماء وهي تعبر عن إيمانها ورسالتها الوطنية غير آبهة بتلك المؤبدات (16 مؤبداً) أستذكر قاهرة السعدي وعطاف عليان وآمنة منى وفاطمة الزق وطفلها الأسير يوسف والذي لم يتجاوز عمره السنتين، أستذكر نورة الهشلمون التي ينتظرها أطفالها السبعة منذ أكثر من سنة ونصف وهو هي تساوم على الإبعاد وترك وطنها مقابل الإفراج عنها، والقائمة طويلة تصل إلى أكثر من خمسة وتسعين أسيرة من المناضلات والمجاهدات والتي كان آخرها الغالية في جامعة النجاح الوطنية تسبيح الخياط.. أستذكر الداعية والمربية وعضو المجلس التشريعي وزيرة شؤون المرأة السابقة الأخت المجاهدة الدكتورة مريم صالح التي اختطفها الاحتلال وغيبها قسراً خلف القضبان لتلتحق بمثلي الشرعية الفلسطينية المختطفين والمغيبين في بطن الحوت.
مريم المرأة الفلسطينية والإنسان من أولئك الأمجاد وأولئك الذين يعجز الفاخرون بالحديث عنهم وعن عطاءاتهم وآثارهم.. مريم عنوان الكبرياء والشموخ خلف القضبان وهي رمز ونموذج المرأة الفلسطينية المعطاءة والمضحية الصابرة والمحتسبة فقد شوهدت مؤخراً وهي مقيدة الأيدي والأرجل في المحكمة مفعمة بالأمل والابتسامة تعلو محياها، ساخرة من القضاء الذي يكرس الظلم والحرمان، ليس أكثر من غطاء لتمرير وتبرير ممارسات الاحتلال مريم التي عرفتها أقبية التحقيق ومورس ضدها أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والوضع في زنزانة انفرادية تحت الأرض منعزلة عن العالم الخارجي حيث كانت لا تستطيع النوم ولا تعرف مواعيد الصلاة، وقد استطاعت بفضل الله وبعزيمتها وقوة إيمانها وإرادتها من الصمود أمام الافتراءات والأباطيل حيث فشل المحتل من أن ينتزع منها اعترافاً أو يلفق لها آخر فحولها في الاعتقال الإداري قبل أن يتم نقلها إلى سجن تلموند في مجمع هشارون حيث تقبع الآن والاعتقال الإداري ليس بأقل من سيف مسلط على رقاب أكثر من ألف أسير فلسطيني، وقد عمدت إسرائيل على استخدامه ضد المعتقلين دون تهمة أو محاكمة وهذه السياسة قديمة جديدة منذ اليوم الأول من عمر الاحتلال.
وعندما نذكر بفخر المرأة الفلسطينية فإننا نذكر د. مريم صالح التي تعتبر في طليعة النساء حيث حظيت بثقة الشعب الفلسطينية ودفع بها هذا الشعب العظيم إلى قبة المجلس التشريعي. وقد تبوأت موقعاً وزارياً.. ففي محاضن التربية الإسلامية السمحاء وما تحمله من قيم دينية وإنسانية نشأت وترعرعت وهي التي اختارت لباس الحشمة والتقوى وقد تجذر في قلبها الإيمان العميق بعد أن اجتازت مرحلة التكوين الدقيق من التربية والتحصيل العلمي، وهي التي الآن تحمل درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية.
مريم صالح التي قلبت صفحات نضال وجهاد الشعب الفلسطيني ووجدت في أفعال المجاهدين والمناضلين التضحية الكاملة والبطولة الرائعة تتجلى عن أبهى صورها قد عاشت المحنة وشاهدت بأم عينها كيف يصبر هذا الشعب وكيف استهان الأسرى العذاب، وسخروا بإيذاء المحتل لهم، وهي التي تعيش اليوم محنة الأسر بصبر وثبات واحتساب، فمناقب الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية وهموم هذا الشعب وآماله وتطلعاته والإيمان الراسخ ببين حنايا د. مريم يشكل لها نيرات يهديها إلى الطريق القويم الذي شقته لنفسها، وها هي بقيودها وثقة شعبها بها قد جعلها في الصدارة بين نساء فلسطين وهي التي أيضا اسمها يتردد في الأوساط العلمية والثقافية والفكرية والدعوية والسياسية في فلسطين وهي التي عاشت وعاصرت الحوادث الجسام في مسيرة نضال وكفاح الشعب الفلسطيني شاء لها القدر أن تعيش في خضم حياة السجون، فشعورها في أعماقها أنها من الذين يتسلطون عليها ويغيبونها خلف القضبان ويعرضون عليها هذه المحنة.
والمرأة الفلسطينية من أكثر النساء في الشرق الأوسط التي لعبت دوراً فعلاً على مسرح الحياة السياسية وهي التي شاركت في كل الفعاليات فصنعت المواقف والأحداث وأعطت صورةً واضحة ونموذجية لما تتمتع به من شجاعة وإقدام وريادة في العمل.
مريم التي يعرف عنها الصبر والحلم وهي التي تكظم غيظها وتصفح عمن أساء إليها وتعفو.. فالإباء والخلق العال من ميزاتها وهي التي لا تؤذي أحداً بكلامها فغضبها لا يكون إلا لله تعالى، وهي واسعة العلم ورحبة الاطلاع لها أسلوب مميز في منهجها التعليمي حيث أنها عظيمة التأثير في نفوس طلابها تؤكد على الدوام بأننا يجب أن نعيش حياة الشعب حتى نستطيع أن تخدمه ولا بد أن نتفاعل مع شرائح المجتمع المختلفة ونتعلم منها أيضاً وخاصة أننا نعيش في الزمان الصعب.
لقد آلمها الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني والأحداث الداخلية المؤسفة التي عصفت بالساحة الفلسطينية وتابعت بحسرة أخطر تلك الأحداث وأشدها.. حيث سالت الدماء وصبغت رمال غزة وتراب الضفة بالأحمر القاني وشكلت لطخة عار في جبين النضال الفلسطيني، وهي التي تؤكد على الدوام أن نار الفتنة لا تطفئها نار التحريض والثأر، لأن شارب السم لا يعالج بشربة سم أخر، والشر لا يعالج بالشر وبهذا السياق نؤكد على أهمية وضرورة توفير إعلام موضوعي وغير متحيز ليكون متنفساً لكل الأقلام الشريفة والأصوات الوطنية الحرة ونتمنى على أصحاب الأقلام الفصائلية أن تبتعد عن ما يثير الكوامن في النفوس وأن يكون حِبْرها ومدادها يدعو إلى ما يوحد الكلمة ويجمع الصف لا كما نقرأ يومياً لا يدعون إلا إلى قطع الأواصر بين أعضاء الجسد الواحد ولا ينظرون للمصلحة العليا للوطن إلا من خلال المصالح الحزبية والفئوية.. نريد أقلاماً تبعث على الهدوء وعدم تسفيه آراء الآخرين.. أقلاماً لا تقترف جرائم أخرى تضاف إلى الجرائم الشنيعة التي يقترفها الاحتلال صباح مساء بحق فلسطين والشعب الفلسطيني وبحق الوحدة الوطنية.. وينسحب الأمر على من يخرجون علينا ويطلون على الشعب والأمة عبر الفضائيات حيث أن تصريحاتهم التحريضية وآرائهم ومواقفهم المتحيزة تعكس نفسها وتغذي الأحداث في الساحة الفلسطينية والإناء بما فيه ينضح.
لقد سمعتها وهي تتحدث وتتألم لما وصلت إليه الحالة الفلسطينية من اقتتال وتناحر وكانت صرخاتها مدوية بأنه آن الأوان لفتح صفحة جديدة من الوفاق الوطني يكون عنواناً لهذه المرحلة الدقيقة، لأن أي مشادات بين الأطراف الفلسطينية هو بعيد كل البعد عن المصلحة الوطنية ولا يخدم القضية بل يصب في خانة تضييع الحقوق في الداخل والشتات.. وعليه لا بد من التوافق الأخوي والتوافق الوطني من أجل رفع المعاناة عن شعبنا، فهناك مسؤولية تقع على كاهل الجميع وهناك ضرورة لرأب الصدع بين الأشقاء والابتعاد عن المشاحنات وتصفية الحسابات الشخصية والحزبية التي تضر بمجمل القضية.. وها هي اليوم تراقب ما يجري من أحداث والألم يتفاعل في أعماقها ويخترق كيان نفسها ويسبب لها العذاب والآلام التي تضاف إلى آلام المحنة في السجن.. ترقب الأحداث ومن زنزانتها وهي تتألم في كيانها لما أصاب الوطن من تفرقة وقتل من قبل الاحتلال وولوغ في الدماء الفلسطينية وحرق تلك الأجساد الغضة والطرية من أطفال فلسطين أميرة أبو عصر، ومحمد البرعي، وملك كفارنة وجاكلين أبو شباك وتسبيح .. و... و....
الدكتورة مريم تنظر إلى المرأة بشكل عام من خلال ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال" ولهذه الأخوة في نظرها مقتضيات كثيرة منها أن كفء الرجل في إنسانيته ومساوية له في القدرة والقدر حيث المساواة بقوله وإرشاداته وتعليماته والذي سواهما من نفس واحدة بالمثالية والكمال (الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء..) فالإسلام هو الذي انتشل المرأة من الهوة المظلمة وحفظ لها قدرها وقيمتها..