فصائل م.ت.ف ومؤتمر حركة فتح
د.محمد المصري
- حالة من الصمت والسكون واللامبالاة تجاه عقد المؤتمر السادس لحركة فتح من قبل الفصائل والحركات السياسية الوطنية وتحديداً المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، حالة الصمت وعدم التفاعل غير مفهومة وغير مبررة وربما تثير في نفسي الكثير والعديد من التساؤلات الكبيرة ؟؟
- ففي أي إطار حالة الصمت وعدم التفاعل ؟ هل في إطار البقاء على ذات السياسة المبنية على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للتنظيمات الأخرى ؟ أم هي ذات السياسة وذات المنهج الوقوف على الجانب والتفرج على ما يحدث عند الآخرين وهنا عند فتح ؟ أم ذات سياسة التبرير والتفتيش عن الحجج الواهية ؟
- أياً كان المبرر لحالة الصمت وحالة اللامبالاة تجاه عقد المؤتمر السادس لفتح فأنني ومن باب الحرص والنقد اخط السطور علها تنتج حالة من التفاعل والنقاش لدى الفصائل الوطنية وربما تساهم في تغيير الموقف لتقوم هذه الفصائل بدورها في مساعدة فتح في عقد مؤتمرها وبذلك فإنها تساهم في إنجاح المشروع الوطني برمته، فلا أحد يستطيع أن يتنكر لحقيقة أن فتح ومعها الفصائل الأخرى هي من حملت هذا المشروع من بدايته حتى تحقيق النصر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
- إن قوة فتح ووحدتها ووضوح اتجاهها يعني قوة ووحدة الحركة الوطنية برمتها، ففي إطار منظمة التحرير كان الاتفاق والاختلاف كان النقاش والجدل كان استيعاب هذا الفصيل لذاك، تتوتر العلاقات حينا وتزيد قوة وترابط حينا أخر، ففي كل المراحل والظروف والمحطات لم نسمع أو نعلم أن فلسفة الإقصاء وإبادة الأخر في أجندة أي فصيل تجاه الأخر.
- فتح مارست سياسة الهيمنة والتفرد وحتى الابتزاز في محطات كثيرة، لكنها لم تكن يوماً صاحبة فكر وثقافة الإقصاء كل الخلافات كانت تجد طريقاً للحل، فكان الرئيس الراحل مصمماً ومعه القادة المؤسسين الشهداء والأحياء على التواصل والتوحد والاختلاف، فلا زلت أري ذات المشهد الذي تكرر في كل المناسبات الوطنية والمؤتمرات مشهد الثلاثي " الشهيدين أبو عمار وحبش ومعهم الحي نايف حواتمه " وهم متشابكي الأيدي ودائما ما كان أبو عمار يرفع الأيدي المتشابكة للأعلى يلوح بها للناس وللأصدقاء والأعداء، فكم لهذا المشهد من قوة تأثير ودلالات سياسية.
- التفاعل مع مؤتمر فتح هو تفاعل مع القضية الوطنية المهددة بشطب التاريخ فما ينتظر فتح وما يحاك ضدها ينتظر الآخرين فبعد فتح يأتي دور الآخرين المتفرجين الصامتين على ذبح التاريخ وشطبه.
- مؤتمر فتح برغم المشهد المؤلم من تعدد واختلاف في صفوف فتح وعدم انسجام حتى وصلت حد الاحتراب اللفظي والكلامي والتشككيك هذا المشهد لا يبرر الابتعاد وعدم التفاعل ، ففي هذا الظرف العصيب الذي تعيشه فتح من المفترض أن يشكل دافعا قويا من قبل الإخوة والشركاء أدوارا أكثر فاعلية وأكثر تدخلا ، لمساعدة فتح في لملمة صفوفها ومواقفها ، تتعاظم المسؤولية تجاه التدخل لعقد مصالحات بين الإخوة في فتح ووقف حالة الاحتراب والتشهير .
- هذا التدخل الأخوي يأتي من خلال تحركات نشطه ومكوكية لتهدئة الأجواء وعقد مصالحات فتحاوية داخلية واعتقد أن للفصائل الوطنية قدرات بحكم التاريخ والثقة ما يمكنها من القيام بهذه الخطوة .
- كما أن الفصائل الوطنية بإمكانها أن تستغل علاقاتها الإقليمية والدولية لحثها علي التدخل لتسهيل المصالحات الفتحاوية وتسهيل عقد المؤتمر الفتحاوي الوطني ، انطلاقا من اعتباره محطة علي طريق المصالحة الوطنية الفلسطينية العامة ، فترتيب البيت الفتحاوي بالتأكيد سيمهد الطريق ويسهلها أمام عقد مصالحه وطنية فلسطينية .
- فتح نقاش جدي مع حماس " وحكومتها بغزة " وحثها علي ضرورة عدم اعتراضها علي تسهيل سفر أعضاء المؤتمر من القطاع وتسهيل وصولهم إلي بيت لحم مكان عقد المؤتمر ، حتى لا يكون منع أعضاء المؤتمر من غزة سابقه خطيرة في العلاقات الفلسطينية الداخلية ، مما يزيد من حالة الانقسام وتعميقها و ما قد يتبعها من خطوات تصعيديه كردة فعل الوضع الفلسطيني ليس بحاجة إليها .
- الانطلاق نحو توحيد فتح ولملمة صفوفها اكبر من الاعتقاد بما ستكون عليه نتائج الانتخابات التشريعية أو المحلية إذا ما جرت وفتح موحدة وقوية ، هذا الاعتقاد إذا ما كان موجها ودليلا للفصائل الوطنية فأنهم يتعاملوا مع الأمور بسطحية وضحالة تفكير ، فما هو البديل لضعف فتح ؟؟ وما هو البديل لفشل فتح ؟؟ .
- فتح القوية والموحدة هي عمليا قوه للوطني الفلسطينية وقوة في مواجهة التعنت والصلف الصهيوني والتطرف اليميني وهي قوة حتما لن تكون علي حساب الفصائل الاخري ، فالمستهدف الثقافة الوطنية والتاريخ الوطني واستبدالها بثقافة وتاريخ جديدين ليس للفصائل الوطنية فيه بعد فتح من دور ، فكلنا يري مخرجات فلسفة الإقصاء والإبادة السياسية للتاريخ والثقافة ، فهي مخرجات احلالية ، فلقد أنتجت لنا هذه الفلسفة ما نحن عليه الآن من انقسام، الكل الوطني يريد إنهائه.
- إن الفرصة مواتية ومهيأة للفصائل من اخذ دورها واستعادة حضورها وتأكيد مستقبلها والحفاظ علي تاريخها وثقافتها من خلال المشاركة في إنجاح مؤتمر فتح واعتباره مؤتمرا للتيار الوطني وللحركة الوطنية الفلسطينية، والتعامل معه بنظرة اكبر من مستوي المناكفات والتشفي.
- الوضع الفتحاوي والفلسطيني يتطلب من الفصائل مغادرة سياسة المتفرج والوقوف جانبا فلقد أضحت هذه السياسة غير نافعة وغير مجدية وطنيا فالتاريخ الطويل لهذه السياسة منذ انطلاق الثورة لم يساهم في قوه هذه الفصائل ولم يقوي حضورها ، بالعكس فلقد انعكست هذه السياسة علي تضائل حضورها وضعف تأثيرها .
- ولو حاولنا التوقف عند المحطات الهامة التي انتهجت فيها هذه الفصائل سياسة المتفرج والغير مبالي في إطار المزايدات السياسية فهي كثيرة ولكني أود هنا التوقف عند محطة هامة ، كانت تتطلب من هذه الفصائل الحضور والمشاركة والتدخل ، محطة بناء السلطة والمشاركة في مؤسساتها المدنية والأمنية .
- استنكاف الفصائل الوطنية عن المشاركة في بناء مؤسسات السلطة جعلها مؤسسات من لون سياسي واحد وأعطي هذا اللون السياسي " فتح " الفرصة للسيطرة والهيمنة والتفرد بالبناء ورسم السياسات، فلا يوجد شريك ولا يوجد من يقارع التفرد ومن يحارب الهيمنة.
- كان بإمكان الفصائل لو شاركت في المؤسسات أن تساهم في بناء مؤسسات وطنية بعيدة عن الفئوية وكان بالإمكان أن تساهم في محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية ، بمعني أن الاستنكاف لم يفيد المؤسسة ولم يفيد الوضع الفلسطيني ولم يساهم إلا في انتشار الفساد والمحسوبية والتعدي علي حقوق الناس .
- نهج المتفرج والناقد من بعيد هو جزء من فلسفة عدم الثقة بالإمكانيات وعدم القدرة علي التأثير وهو جزء من فلسفة التشفي وتصيد الأخطاء عند الآخرين ، هذا المنهج لا يعفي المتفرجين من الحالة التي وصل لها الوضع الفلسطيني فقبل تحميل الآخرين المسؤولية عليهم أن يتحملوا مسؤولية هروبهم من دفع فاتورة الأعباء والحفاظ علي حقوق الناس وتامين مصالحهم .
- المحطة الاخري التي تتطلب تدخلا وانخراطا حتى النخاع حالة الانقسام والتي لم تعد تحتمل ، فالمشروع الوطني والقضية الوطنية باتت مهددة تهديدا حقيقيا في ظل استمرار الاحتلال بسياسته اليمينية وفي ظل استمرار الاستيطان وبناء الجدار وتقطيع أوصال الوطن وتغيير معالم القدس وتهويدها ، هذه السياسة الإسرائيلية ونتائجها التدميرية لا تتحملها جهة فلسطينية دون الأخرى فلا احد معفي من تحمل المسؤولية ولا احد من حقه أن يتفرج ويحمل الأخر المسؤولية، كما تم في قيام السلطة، وكأن لسان حال البعض اذهبي يا فتح وأقيمي دولة، وإذا ما قامت فعلاً فنحن معكم شركاء، وإذا ما فشلتم فاحصدوا النتائج بمفردكم ... يريدون دولة فلسطينية مستقلة دون أن يتحملوا أي نتيجة فشل !!!
- أولي الخطوات المطلوبة من الفصائل التي ليست طرفا في الانقسام أن لا تقف موقف المتفرج والحكم وكأنها منظمات دولية كالصليب الأحمر تعد تقارير وتحمل الطرفين المسؤولية ، فلا بد لهذه الفصائل الانخراط الجدي ودفع فاتورة هذا الانخراط بغض النظر عن طبيعته وخطورته ، لان استمرار الانقسام حتما ستكون مخاطره اكبر من الثمن التي ستدفعه الفصائل في حالة انخراطها الجدي والعميق .
- علي هذه الفصائل أن تفهم أن سياستها ووقوفها علي الجانب هو موقف مريح للكثيرين في الساحة الفلسطينية ، فهي تترك لهم الساحة وتخليها وتجنبهم عبئ المنافسة وتعطيهم الفرصة بالتفرد والهيمنة وتسهل عليهم تنفيذ أجندتهم الاقصائية .
- أول الخطوات باتجاه تغيير هذا المنهج هو فرصة عقد المؤتمر السادس لحركة فتح ،فمسؤولية المساهمة في إعادة ترتيب البيت الفتحاوي والبيت الوطني الفلطسيني تقع على عاتق الجميع ، فلا احد معفي من هذه المهمة ، فهي فرصة لتبدأ بالتفاعل مع المؤتمر والمشاركة في لملمة صفوف فتح وبناء علاقات وطنية علي أرضية الشراكة في التاريخ والثقافة والمستقبل من خلال صيغ متفق عليها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي تتعرض للإبادة والشطب وتغييرها وتغيير بنيتها بما يتلاءم مع توجهات الإقصاء والهيمنة .