لسنا بصدد الوقوف والبكاء على الاطلال!! فهذه السيمفونية اصبحت محفوظة لدينا ولدى الاجيال التي سبقتنا والتي ستأتي بعدنا.
نحن بحاجة الى ان نعرف اين نقف الان, وباي اتجاه نسير, وما هو المكان المفترض ان نصل إليه ,وما هو "المركب"الأفضل الذي يجب أن نمتطيه كي يبلغنا مبتغانا .
لقد قطعنا شوطا طويلا في مشوارنا (ناهز على السبعين عاما) ..بكينا , تحسرنا, صمدنا ,استنجدنا ,قاومنا,غامرنا وجازفنا ,ولجنا دهاليز السياسة وغرقنا في تفاصيلها , اختلفنا , تقاتلنا , و لازلنا نسير ونسير ونحمل على اعناقنا احمالا ثقالا تنوء بها الجبال ..على خطى المليون ميل !!
كلما قرأت تحليلات سياسية عن اللقاءات والاتفاقات والمؤتمرات ازددت قناعة باننا نعمل وفق العمل اليومي(المشرذم المتناثر) الذي تغيب معه الرؤية الشمولية العامة..وغياب الرؤية الاستراتيجية التي ترشدك الى معالم الطريق وتنبهك الى مخاطر متوقعة .
تارة نغرق في (مؤتمر) وكأنه نهاية القضية وتارة تفاجئنا "خارطة", ثم تقتحم علينا مبادرة ثم مبادرة واخرى , ثم نجد أنفسنا أمام مفترق جديد ورؤية جديدة ومعركة سياسة جديدة لا اول لها ولا اخر ..
في المقاومة قدمنا سجلا حافلا –وطويلا -بالتضحيات والبطولات والاساطير لكنها ايضا عانت من غياب الرؤية ووحدة الموقف ومعالجة الاخطاء والتقييم الموضوعي ,ويبقى السؤال المهم (متى ننجح في تحويل تضحياتنا إلى مكاسب على الأرض ؟) ...
آن لنا ان نفتح عيوننا قليلا ,وقبلها عقولنا , لنعرف بعد هذه المسيرة الطويلة المشبعة بالتعب والألم والتضحية- ان كنا نسير في الاتجاه الصحيح ام ان السبل حادت بنا قليلا عن مقصدنا وغايتنا.ليس تعبا من طول المسير ولا احباطا من الوضع لكنه التقييم والتقويم اللذان يعتبران ركنان من اركان نجاح اي تجربة .
وأقر هنا أننا , كمجموع وطني , لم نقم باي محاولة او جهد يذكر لعمل تقييم موضوعي وجدي للمسيرة الوطنية رغم طولها وتعقيداتها - انما جرفتنا الاحداث رغما عنا, بل اننا اصبحنا خصوما وأعداء للتقييم والمنهجية العلمية الذي يطالب به الدين والمنطق والاستحقاق الوطني..وهذه هي الحالقة!! ,وفضلنا ان نعمل بقاعدة "دعوها فانها مأمورة"أو قاعدة "كل يعمل على شاكلته" !!.لذا وجدت ان كل فصيل يدير الصراع مع الاحتلال بطريقته الخاصة وبالأسلوب الذي يعجبه !!.إذا تكلمنا عن ضرورة تقييم وتقويم المقاومة هبوا وقالوا انك ضدها ,واذا طالبنا بضرورة معالجة المسار السياسي وما يعانيه من فشل وتعثر لم تجد اذانا صاغية !!
ان الحالة الفلسطينية حالة (ملخبطة ) و(مكركبة) و(فوضوية) ..انها تحتاج الى "انتفاضة "حقيقية لاعادة الامور الى نصابها في شتى مجالات الحياة .
لقد اشبعنا شعبنا مؤتمرات ومسيرات ومهرجانات وشعارات وورش عمل وبيانات وخطابات ..نعم ,لقد شبع حتى امتلأت معدته واصابته التخمة..لقد امتلأت الجدران بالشعارات حتى حفظناها , وغصت الفضائيات والاذاعات بالاناشيد والبيانات الثورية الدسمة حتى وعيناها ..وتشنفت آذاننا بالخطب الهدارة حتى اصبحنا نعيدها عن ظهر قلب !!.كل هذا (على اهميته)لا يغني ابدا عن العمل الجاد والبرامج الحقيقية(كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) . لقد كبرنا وانتقلنا من مرحلة (الروضة )الى مرحلة (الجامعة) التي تملي علينا ان نصغي لعقولنا قبل عواطفنا والى أعمالنا وانجازاتنا قبل شعاراتنا...فلا تعاملونا معاملة التلاميذ !!
لقد آن الاوان للعمل الجدي المثمر ..العمل القائم على الفكر والوعي والتخطيط والشراكة الوطنية الحقيقية . ..لقد آن الاوان للبرامج الحقيقية ان تشق طريقها للتطبيق ..آن لنا ان ننضج في فكرنا السياسي والوطني ونتعالى على الحسابات الصغيرة.
يجب ان نتعامل بمستوى كم هي القضية الوطنية كبيرة وخطيرة وصعبة ...بمستوى تطلعات شعب يتوق إلى الحرية بعد ستين عاما من نكبات ونكسات(وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم) .
انا هنا لا اتكلم عن فصيل او حزب بعينه بل اقصد المجموع الفلسطيني اذ ان المسؤولية اليومية مسؤولية وطنية لا مجال للتهرب منها ولا مجال لحملها فرديا او ثنائيا .