كتب أحمد بديوي في صحيفة الاسبوع المصرية التقرير التالي:"
ينظر القضاء المصري (حاليا)، واحدة من أغرب قضايا التنازع، وتكتسب القضية أهمية من مكانة طرفي الخصومة فيها، فضلا عن الأسباب التي دفعت صندوق الاستثمار الفلسطيني (المعني بإدارة أموال الشعب الفلسطيني) إلي مقاضاة المهندس نجيب ساويرس (المدير التنفيذي لمجموعة أوراسكوم القابضة).. الصندوق يتهم 'ساويرس' باحتجاز نحو 45 مليون دولار من أموال الصندوق (هي في الأصل) قيمة بيع أسهم، كان الصندوق يمتلكها في أوراسكوم تيليكوم، لكن رجل الأعمال المصري اتخذ
قرارا باحتجازها، تنفيذا لحكمين أصدرتهما محكمة محلية أمريكية ضد السلطة الفلسطينية.
وتشكل التفاصيل والملابسات التي صدر فيها الحكمان قمة المفارقة، وتقول الوقائع إن المواطن اليهودي الامريكي يارون أنجر، ساقه القدر إلي أن يلقي مصرعه في الأراضي الفلسطينية المحتلة صيف (يونيو )1996، أثناء اشتباكات كانت تدور بين عناصر المقاومة الفلسطينية وجنود الاحتلال والمستوطنين الصهاينة.
وقام ورثة 'انجر' برفع دعوي قضائية أمام محكمة محلية أمريكية (المحكمة الولائية لمقاطعة رود أيلاند)، ضد السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينيتين، طالبت فيها هيئة الدفاع عن 'انجر' بتعويض مالي، تصل قيمته إلي 116 مليون دولار.
واعتمد دفاع 'انجر' علي القوانين والتشريعات الأمريكية، التي تعتبر أن أعمال المقاومة ضد الاحتلال إرهابا، وقضت المحكمة في منتصف يوليو 2004 بتعويض ورثة المواطن الأمريكي ب 116 مليون دولار ضد السلطة الفلسطينية، و116 مليونا (أخري) ضد منظمة التحرير الفلسطينية.
ثم ما لبثت ذات المحكمة أن أصدرت في وقت لاحق (سبتمبر 2006) حكما يقضي بتحويل كافة حقوق الملكية العائدة للسلطة الفلسطينية في صندوق الاستثمار الفلسطيني وتمكين ورثة 'انجر' منها!
وفي الوقت الذي رفضت كل دول العالم تطبيق الحكمين الصادرين عن المحكمة الأمريكية ضد ممثليات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير السفارات.. مكاتب التميثل، إلا أن المهندس نجيب ساويرس سارع بتنفيذ ما انتهت إليه المحكمة الأمريكية، لاسيما بعدما أخطرته بضرورة احتجاز الأموال التي يستثمرها الصندوق في شركة أوراسكوم تيليكوم.
• • •
ثمة العديد من الحقائق التي تؤكد أن احتجاز مثل هذا الرقم يضر بمصالح الشعب الفلسطيني وصموده، خاصة إذا عرفنا أن صندوق الاستثمار الفلسطيني (بحسب أوراق التأسيس) شركة مساهمة مستقلة ماليا وإداريا، مهمتها العمل علي تطوير الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وتشكل استثمارات الصندوق احتياطيٌا استراتيجيٌا في ظل استمرار سياسة الحصار والإغلاق، وتدمير الاقتصاد التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
تأسس الصندوق عام 2000، وبدأ عمله الحقيقي عام 2003، عندما أقر الرئيس (الراحل) ياسر عرفات نظامه الأساسي، في خطوة استهدفت تجميع أموال وأصول السلطة الفلسطينية تحت مظلة واحدة .. وقتها انساق 'عرفات' للضغوط الأمريكية بخصوص اصلاح مؤسسات السلطة (وتوحيد أجهزتها الأمنية)، لذا فالصندوق يخضع لأقصي درجات الشفافية والمراقبة، التي تتم بإشراف مباشر من الجهات المانحة والرباعية الدولي.
ويلعب الصندوق دورا مهمٌا في حياة الشعب الفلسطيني (الضفة الغربية - قطاع غزة)، حيث يسهم في توظيف الأموال الممنوحة للسلطة والمنظمة، وتمويل العديد من المشروعات، في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة والرهن العقاري، وله دور واضح في إقراض مؤسسات الأعمال الصغيرة، ومنح قروض شخصية للمواطنين تتراوح ما بين 40 و70 ألف دولار، بفترات سداد طويلة.
والأهم أن الصندوق معني بخلق فرص عمل للفلسطينيين، والمساعدة في تثبيتهم في بلدهم، عبر تطوير مناطق جغرافية إستراتيجية في فلسطين، لاسيما التركيز علي 'القدس.. الأغوار.. المناطق الحدودية.. المحور الرئيسي للمدن الكبري.. قطاع غزة'.
كما يعمل علي جذب الاستثمارات إلي داخل فلسطين، والدخول في شراكات نوعية مع عرب وأجانب، حيث إن جزءا من أصول الصندوق الخارجية في محافظ استثمار عالمية وعربية (بعضها يقدم دخلا ثابتا، فيما الجزء الآخر يتوزع علي القطاعات الاقتصادية الواعدة: الاتصالات.. القطاع العقاري.. الطاقة..).
• • •
وقام الصندوق في وقت سابق (27 فبراير 2005) بتوظيف جزء من أمواله في عملية شراء أسهم (20 مليون سهم) في شركة أوراسكوم تيليكوم، لكنه باع جزءا من هذه الأسهم (بأسعار متفاوتة) تبقي منه مبلغ ال 45 مليون دولار، التي يتحفظ عليها 'ساويرس' تمهيدا لتمكين ورثة المواطن اليهودي الأمريكي منها.
وتعتبر إدارة الصندوق أن قرار 'ساويرس' يساهم في إلحاق الضرر بأموال الشعب الفلسطيني، ومن شأنه تحقيق المزيد من انهيار اقتصاديات الصندوق التي تعاني نوعا من الشلل بفعل حصار الاحتلال الصهيوني، إدارة الصندوق - التي حذرت في وقت سابق من المحاولات الصهيو أمريكية، الراغبة في تقويض دوره ونشاطه في الداخل الفلسطيني - سارعت برفع دعوي قضائية 157 لسنة 2007تطالب فيها بسرعة الفصل في النزاع، ووقف العدوان علي أموال الشعب.
وتدلل إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني علي أن قرار التحفظ علي الأموال الذي اتخذته أوراسكوم تيليكوم غير قانوني للعديد من الأسباب، منها:
> أن صندوق الاستثمار الفلسطيني شركة مساهمة، ولها شخصيتها الاعتبارية والميزانية المستقلة عن شخصية ومالية المساهم (السلطة.. ومنظمة التحرير الفلسطينية)، بما يلغي عملية استيفاء التعويض الذي يطالب به الأمريكان من عوائد وأصول الصندوق.
> أن الدعوي التي رفعها ورثة اليهودي الأمريكي (يارون أنجر) لم ترفع أمام المحاكم المصرية، كما أن الحكمين الصادرين لصالحه لم تصدرهما محكمة مصرية، ومن ثم لا يحق التحفظ علي الأموال التابعة للصندوق في مصر.
> تنص التشريعات المصرية علي أنه 'متي كان الحكم صادرا من محكمة خارج حدود ولايتها، فإنه ليس من شأنه قبول تنفيذه، بل يعتبر كأن لم يكن، وأن 'الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي لا بد - أولا - أن تبت فيها المحكمة الابتدائية المصرية - الواقع في دائرتها الخلاف - طبقا لقانون المرافعات'، كما أن الحكمين الأمريكيين لم يصدر بشأنهما أمر بالتنفيذ من المحاكم المصرية المختصة.
> أن حكمي 'رود أيلاند' لايعتد بهما، وليست لهما حجية قانونية، لصدورها عن جهة غير مختصة (طبقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي)، وأنهما مجرد محاولة (مشبوهة) للنيل من أموال الصندوق.
> أن شروط وضع الصيغة التنفيذية لأي حكم صادر من دولة أجنبية، تتطلب أن تكون هناك معاهدة تنص علي تبادل تنفيذ الاحكام، لكن لا توجد مثل هذه المعاهدة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم انتفاء مبرر التحفظ.
• • •
الغريب أن إخطار المنع الذي ارسله القضاء الأمريكي لشركة اوراسكوم تيليكوم، لا يعد ملزما لها (..) لأن الشركة تأسست بموجب القانون المصري، ومع ذلك يصر السيد 'ساويرس' علي اعتبار القضية مجرد نزاع قانوني بين شريكين تجاريين علي شراء أسهم!
وتكييف النزاع علي هذا النحو يعطي 'ساويرس' الحق في نقل ملف القضية من المحاكم المصرية إلي غرفة التجارة الدولية (لندن - انجلترا)، معتمدا علي علاقاته المتشعبة في تسوية النزاع لصالحه، لذا فهو دائم التأكيد منذ بداية النزاع علي أنه ليس مستعدا (بصورة مباشرة أو غير مباشرة) لانتهاك حكمي القضاء الأمريكي (رود أيلاند)، وأن شركة أوراسكوم تيليكوم ممنوعة قانونا (بموجب القانون الأمريكي) من إجراء تحويل الأموال المستحقة لصندوق الاستثمار الفلسطيني.
لكن ملف القضية يشير بوضوح إلي أن النزاع لا يتعلق بالشراكة التجارية بين الطرفين (اوراسكوم تيليكوم - صندوق الاستثمار الفلسطيني)، وأن الفصل فيه مسئولية القضاء المصري، وليس غرفة التجارة الدولية.
وتنص التشريعات المصرية (لاسيما المادتان 30/ 34 مرافعات) علي اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوي، إذا كانت متعلقة بأموال متنازع عليها في مصر، وأن لها حق الفصل في الإجراءات الوقتية والتحفظية، حتي ولو لم تكن مختصة بالنظر في الدعوي الأصلية.
• • •
لن نتهم السيد 'ساويرس' بأنه يزايد علي عملية التدمير المنهجي، التي يقوم بها الصهاينة ضد الأشقاء الفلسطينيين.. لن نقول: إن ثروته (الأغني في مصر) أعمته عن معاناتهم، لكننا نذكره (فقط) بالوضع المأساوي، الذي رصدته العديد من التقارير والدراسات الدولية بشأن ما آل إليه حال الشعب الفلسطيني، حيث إن 52٪ منه يعيشون تحت خط الفقر، بينما وصلت معدلات البطالة إلي 45%.
نذكره (ثانيا) بأن أعماله المنتشرة حول العالم، وعلاقاته الخارجية المتشعبة (خاصة داخل الكيان الصهيوني) يجب ألا تنسيه أنه مصري، وأن قضية فلسطين إحدي أولوياتنا .. فهل تنفع الذكري؟!".